ليكتب التاريخ انه لولا التدخل الإلهي لكانت التهمت النيران البلد بأسره، من دون أي مبالغة!
ليشهد التاريخ على مأساة أرض وشعب طالته أكثر من مئة وأربعون حريق بين نهار وليلة، من شماله امتدادا إلى متنه وشوفه وصولا الى جنوبه، ونحن بحالة شلل من كثر الفشل!
ليفضح التاريخ إهمال كبارنا وجهل صغارنا منذ ايام استقلالنا وحتى أيامنا هذه!
بكيت بكاء مرا ولم أقدر ان أبقى بعيدة؛ ماتت الدنيا ومن فيها داخلي ولم يبقى بها غير هذه المصائب التي تحرقنا في كل ميل وصوب.
مع كل هايكنغ وكل مشوار تضيع مني الكلمات في وصف الجمال الفائق الذي أغرق فيه وأشعر به واعيشه لانقل لحظاته لكم علها تنقلكم بدورها إلى ذلك الشعور وتلك المنطقة وهذا الفرح والفخر لما رزقنا به الله عز وجل وما اؤتمنا عليه لنقله من جيل لجيل. فطبيعتنا هي بصمتنا، هي ارثنا، هي نحن، ومن دونها لا وجود لنا ولا للبناننا.
ومن هذا المنطلق وبعد مصابنا العميق منذ بدء الاسبوع، لا يسعني الا ان اسأل ماذا فعلتم للحفاظ عليها واي تدابير احتياطية اتخذتم وأنتم الذين نبهتم من الحرائق ودعيتم على تنظيف الاحراج وعملتم جهدا للتشجير. انتم الذين كنتم قادرين على صيانة طائرات موجودة وشراء غيرها وعقد اتفاقيات استغاثة مع البلدان المجاورة وتوظيف حراس أحراش وغابات كأقل تدبير احترازي من اول موسم الصيف الذي بدأت قبله الحرائق لألف سبب.
في الوقت الذي احترقت به الغابات وتهجرت الاهالي، ماذا فعلتم واين كنتم؟ ألم تشعروا بوجع الأشجار المنازعة والحيوانات المحترقة والمهجرة؟ وقبلهم، هل شعرتم بهلع الاهالي ومصائبهم؟ أصُمّت آذانكم عن نداء الأرض وغضب الطبيعة؟
كيف يُعقل في بلد معرض للحرائق مثل بلدنا ان لا يكون له خطة استباقية لهكذا مصائب ولماذا على هذا الشعب ان يهب ليحمي ارضه وبيته وحده في الكثير من المناطق وكأنه يتيم مُتيّم؟
لماذا حارب الدفاع المدني وفوج الإطفاء والجيش والبلديات وكل الجهات المعنية حيثما وجدوا باللحم الحي والطرق البدائية؟ وكيف يصل هؤلاء إلى عمق الوديان المحترقة؟ لماذا نتوسل الطائرات والمساعدات وأين ما تبقى من كرامتنا؟
لماذا هذا الظلم وهذا الإهمال والتعسف بنا وبأرضنا؟
لماذا وألف لماذا؟
لا تجف الدموع ولا تجف الأسئلة في بالي وبال كل مواطن، وما زلنا في حالة ذهول وغضب مطلق لما اصابنا.
نسأل ولا نعرف من نسأل ونسمع أجوبة من هنا وهناك وكأنها ليست بكلام ولغة نفهمها، اذ انها لم تغير شيئا يوما ويبقى الوضع سائر بنا من سيء الى اسوء وعلى جميع الاصعدة.
لم أقدر أن أكون معكم في أول يوم وفُجعت النهار الثاني لما رأيته, وعبّرت عبر مواقعي بكلمة تدعي للصلاة للبنان اسوة بالأخرين عبر المشاركة (repost) بمقطع فيديو وكلمة مقتبسة من مقالي عن الشوف شاركت به صديقة لبنانية في الكويت على صفحتها وهنا الرابط
كما شاركت به على موقعي على الفايسبوك وكانت المفاجئة العظمى! فقد هبّ من صفحتي المتواضعة الى ما يتعدى الالف مشاركة وال 200,000 reach ولكن الاهم هو الصلوات التي انهالت لخلاص بلدنا ان كان من اللبنانيين أو غيرهم في استراليا وكندا والبرازيل والولايات المتحدة والعالم العربي وغيرها، بما يقارب ال 700 تعليق على مواقعي فقط ولا ننسى مواقع البلد كافة وطلاب المدارس ودور العبادة، ومن المؤكد أن كل واحد من المتابعين نشر طلب الصلاة بمجتمعه لتوسع الرقعة. كما شاركتني متابعة في الغربة بطلبها الصلاة من جماعة مؤلفة من 45,000 شخص وباحياء عادات قديمة لطلب المطر. وجميعنا كنا شاهدين على زرقة السماء والامل المفقود لاي قطرة مطر وبطلب عجيبة الهية للإنقاذ.
كانت الارض تصلي معنا ولنا وكان الله خير متفقد لعباده فتلبدت السماء من حيث لا ندري وأمطرت بقوة مع قدوم الليل لتقتل كل شرارة نار على ارضنا كافة ومن ثم ترجع الى زرقتها في الصباح التالي. فليشهد التاريخ!
فليشهد أن أرضنا أرض قداسة وان رب السموات لا يتخلى عنها ابدا ولن يقوى عليها الشر ولن يغلبها ونحن شعبه وما علينا الا أن نتضرع ونطلب منه فيستجيب وأن نتوحد جميعا تحت رايتنا لنحافظ على بلدنا النادر الجمال والفائق الغنى. وقد التقطت عدستي التشخيص بالنار الذي استعملته كغلاف للمقال, البارحة في الشوف، ومن دون أي تعديل بها اترك لكم تفسيرها.
بالعودة الى نهاري البارحة فقد بدأت من حرش مزرعة يشوع ومنها الى الشوف اذ انها كانت المناطق الاقرب مني.
وصلت النيران فجرا إلى منازل مزرعة يشوع والقرنة الحمرا وهددت زكريت حتى كسروان وانحسرت ولكن عادت وامتدت وبقي الاهالي وفوج الاطفاء والدفاع المدني والجيش على اهبة كاملة واستطاعت الطوافات السيطرة على حريق الليل مع هدوء الرياح قبل الظهر. وكنت قد نقلت الاحداث مباشرة على حسابي الانستغرام بالدموع لهول ما رأيت وبدأت ب “انقل لكن اليوم التشوه، انقل لكم جهلنا،…”
لماذا جهلنا؟
لأننا شعب غير مستحق! لأننا نقطف ما زرعت ايدينا او بالأحرى ما نثرت ايدينا!
دعيت للكزدرة في أرضنا وعملت لتشجيع السياحة الداخلية بنشر مقالات عن مشاويري لدعم مناطقنا القروية وبمجهود شخصي لاني أؤمن بالمبادرات الشخصية لانهاض وطن, ولكن ماذا تفعل الأكثرية؟
في اي نقطة في الطبيعة يصلها الإنسان بسهولة تصلها نفاياتكم الخاصة ومن دون أي وخز ضمير بأنها ستكون وقودا لأي تغير مناخي يضرب البلد ليولعها ويولع منطقة باسرها!
صرخت عبر هذا الموقع وموقعي الخاص وعممت فكرة #مش_كل_ما_كزدرنا_وسّخنا_ورانا كما صرخ قبلي ومعي الكثير وعملوا على الأرض للتوعية وكأن الأكثرية صم بكم، وكأنهم فاقدين الإدراك.
ترفع الجمعيات اصواتها وتسن الدولة قوانين لمنع الصيد وقطع الأشجار ويعمل الجميع على التوعية بكل الوسائل كما اني نشرت مقال عن الغزال والصيد للتوعية مع بداية الموسم (اضغط هنا) وما زال الجهلة من شعبنا يتباهى بصيده للطيور المهاجرة وغيرها ويقطع أشجار أرز ولزاب معمرة منذ مئات السنين كما شهدت في مشواتي الأخيرة ومنها في عكار والضنية.
من جهل شعبنا إلى إهمال مسؤولينا، أين لبناننا وسط كل هذا واي ثمن يدفع وهو البلد الذي طمعت به الحضارات كافة على مدى العصور وما زالت تطمع به الدول الأخرى. هو جنة الجنائن وارضه قدس الاقداس ونحن ناسها وشرها، ندنسها ونساهم في زوالها.
يا لوجعي لما شهدت في المشرف، الدامور، الشوف ولما وصلني من عكار وغزير وعجلتون وغيرهم. الألم حاد ولن ينطفئ مع الايام, فما خسرناه من أشجار لا يعوض بمئات السنين وحتى لو بدأنا #ثورة_التشجير, وما خسرته الاهالي من روح ورزق لا يُسامح عليه. وهنا الحرائق الهائلة التي انتشرت في كل زاوية من هذا الجبل الغني بثروته الطبيعية وكنت قد بقيت حتى ساعة متأخرة وناشدت عبر مواقعي التدخل السريع. ويمكنكم الرجوع الى بعض الستوريز هنا
أين نذهب من هنا، إلى تدابير تبقى حبر على ورق منذ عشرات السنين، إلى جمعيات تشجير تدعي التشجير ومن بعدها تهمل وتتناسى الاهتمام بأطفال الأشجار لتيبس وتموت؟ أين نذهب من هنا وأطراف وهمية تستغل الوضع وتطالب بتمويل من اهالينا في الخارج والداخل وتدعو لتمويل تشجير المناطق المنكوبة وكلنا على يقين انها لا تشجر حاليا؟
الفساد يأكل الأخضر واليابس وكأنها شريعة الغاب ونحن الغرقى وسط مصائب الليرة والخبز والوقود في هذا الأسبوع بالذات وآخرها تطبيق ضرائب القيمة المضافة الان وكأنها أصبحت ليست بمصيبة وسط هول المصائب التي تضربنا.
اشير أنّ خبير الطقس في صفحة Weather Of Lebanon السيد جو القارح كان قد نبّه من وقوع الحرائق نهار الاحد اذ أنّ عوامل الطقس التي سيطرت على مناخنا حينها من حرارة مرتفعة ورياح صحراوية جافة وسريعة كما أن جفاف الارض وعشبها وأغصانها في اخر ايام الصيف جعلتها وقودا وكبريتا لاندلاع الحرائق وانتشارها بكثرة.
ولكن يبقى السؤال الاهم, هل حقا جميعها حرائق طبيعية واليس منها المفتعل, ولماذا؟
ومرة اخرى لا ننتظر جوابا وادعو الجميع الى حماية شوارعهم ومناطقهم واحراجهم من مفاجآت الحرائق اسوة بالكثيرين اذ اننا في زمن المبادرات الفردية وأشيد باخوتنا في الجيش والدفاع المدني وفوج الاطفاء وكل من ساهم في المساعدة ولهم جزيل الاحترام واتمنى أن تنظر الدولة بمطالبهم لانهم جديرين بها كل الجدارة.
اتمنى لقائنا المقبل ان يكون مكلل بفرح الارض التي تعود لتنهض بالرغم من كل شيء وبفخر الانتماء والبقاء غصبا عن كل شيء.
ليكتب التاريخ أننا باقون، بالرغم من كل شيء باقون.
https://www.annahar.com/article/1050642-ليكتب-التاريخ-ولتشهد-الأرض-وناسها-فشل-بشري-وتدخل-إلهي