قصة الغزال في لبنان وبدء موسم الصيد

كان يوم وكأنّه شتاء ببرودته ولكنه ربيع بزهوره ومزروعاته والوانه، وهو يوم من أجمل أيامي إذ كانت المرة الاولى التي ألتقي بهذا المخلوق اللطيف والجميل وأغرق تأملا بعمق عينيه التي لم ترمش وكأنه حديث مسترسل عن حب الأرض وطبيعتها وتقديماتها لحياة فضلى. اذ ان الحياة ليست بالمال والجاه وليست بالتحضر فقط بل هي انسياب وتناغم بين كل المخلوقات التي تساهم جميعا بتقديم باقة كاملة متكاملة لحياة تنبض بعيدة من أي خلل ومرض. ولا يخفى أن ليس هناك من أمل بكمال كهذا اذا لم نعمل لاعادة التوازن الطبيعي ونساهم باحياء نظم إيكولوجية تعتمد على مخلوقات ونباتات انقرضت من جبالنا وودياننا بسبب ما يدعى بالتمدن.

 

وقد حصل منذ بضعة أشهر اني تحدثت الى شخص عن شغفي بأرضنا وطبيعتها وأسفي لما أشهده من مصائب تلم بها في جولاتي، وكانت المفاجأة باصطحابي للقاء رجل من لبناننا أقل ما يمكن وصفه بأنه نبيل لأجل ما يقوم به على نفقته الخاصة وبمجهوده الشخصي، لهدف وحيد وهو ارجاع صنف من الحيوانات المنقرضة في بلدنا الى أراضينا بعد ان يؤمن لها الاحتضان اللازم في محميته الخاصة في عانا.

والجدير بالذكر انه صياد، نعم صياد، وهو كاتب قانون الصيد المنشور سنة 2004 في الجريدة الرسمية والذي يُعمل به حالياً منذ سنة 2017 وبعد مراجعة لجان التطبيق، وساعرض أهمّ نقاطه تباعاً.

وبسبب كثرة الاسئلة التي تلقيتها بعد مشاركتي بصور لهذه الغزلان في مواقعي للتواصل الاجتماعي من زيارتي الاخيرة لمحميّة الغزلان الاحد الفائت، ارتأيت نشر هذا المقال، وبخاصة للإضاءة على موضوع الصيد الذي بدأ موسمه الشهر الحالي وبعد أن مررت بالكثير من خرطوش صيد في مسيري الهايكينغ في الأول منه وكأن الناس بانتظار الموسم بفارغ الصبر.  ويمكنكم الرجوع الى فيديو خراطيش الصيد على الستوريز عبر حسابي الانستغرام وزيارتي لمحمية الغزلان.

الصيد، كما تفضّل وأوضح السيد فؤاد، الصياد وصاحب المحمية، يُعتبر من الوسائل المهمة التي تحافظ على التوازن الطبيعي والتنوع البيولوجي بشرط تنظيمه وفرض تطبيق القوانين بعد دراسة لأنواع الحيوانات التي يمكن اصطيادها ودور هذا الاصطياد في إرجاع توازن النظام البيئي. فعلى صعيد المثال، إذا تكاثر الخنزير البري في منطقة معينة فيصبح صيده مساعداً للطبيعة لان تكاثره يهدد غيره من الحيوانات الأقل عدداً. ومن هنا يأتي دور العلم والدراسات المعمّقة التي تساهم في توجيه الصيد لما يخدم النظم الايكولوجية.

ومن أكثر التهديدات التي نواجهها حاليا في لبنان والعالم أجمع هي التكاثر السريع للكلاب والقطط الشاردة بفعل وفرة غذائها (كالنفايات في الطبيعة)، ويمكنكم البحث عن الموضوع ولمس خطورته الفائقة على الطيور والحيوانات البرية بحيث إنها أصبحت من الاسباب المباشرة لانقراض عدد وفير من الحيوانات والطيور على الارض وهذا المقال هو بعيّنة:

 https://www.bbc.com/news/science-environment

وأكيد لا يكمن الحل بقتلهم ابداً ولا بقتل أي مخلوق ولكن بتنظيم وجودهم وتلقيحهم، لان الأمراض التي ينقلونها تفتك بغيرهم من الحيوانات المهددة بالانقراض. ومن الاسباب الاخرى التي تؤدي إلى تهديد التنوع البيولوجي هي رشّ السموم على المزروعات ورشّ القمح المسموم لقتل الفئران وغيرها مما يساهم في قتل أعداد هائلة من الطيور والنحل وسواها من المخلوقات.

وبالعودة الى محمية عانا، فهي تقع في البقاع الغربي ضمن المحيط الحيوي لمحميّة الشوف ولكنها ليست مفتوحة للزوار بل جلّ هدفها الاهتمام بحيواناتها لتتكاثر، كما يؤكد مالكها.

أسسها السيد فؤاد، الذي فضل عدم ذكر اسمه الكامل، منذ خمس وعشرين سنة، فبدأ بثلاثة غزلان وعلى أرض وضعها بتصرفه الرئيس الشهيد رفيق الحريري لدعم خطوة اعادة الغزال اللبناني الى أراضينا بعدما انقرض. أتى بالغزال اللبناني من البلاد المجاورة وزاد عليه الغزال ذات اللون الأسود من أوروبا كما يحضن في المحمية المسيجة الخروف والماعز البريّ. وذكر هنا أن غابات لبنان كانت منزلا للاسد والنمر والغزال والفيل والدب منذ أقل من مئة سنة ولكن انقرضت كلياً.

ومنذ بعض سنوات، نقل الغزلان الذين يتعدى عددهم المئتين حاليا، بعد أن أطلق بعضها شمال لبنان، الى أرض وجبل أوسع تقدمة العميد كارلوس اده ويعمل السيد فؤاد على زيادة الغزال الأنثى الى الاربعمئة لتنتج اربعمئة غزال سنويا واطلاقها في المحميات كخطوة أولى لإبعاد خطر الصيد عنها وإضفاء لمسة جمالية للطبيعة ومن بعدها في أراضي الوطن للمساهمة في التوازن البيئي والمحافظة على الغابات إذ إن الغزلان، كما الماعز وسواه، تأكل العشب اليابس الذي يزيد من خطر حرائق الغابات. وكنا قد تابعنا وزير البيئة جريصاتي الأحد الفائت بحملة وطنية لحماية الاحراج من الحرائق، فعندما نُخل بالتوازن الطبيعي نضطّر للتعويض عنها بمجهودنا.

وبعد أن سألته عن معرفته بجهات اُخرى تساهم بالمثل، أشار إلى جهود الوزير السابق سليمان بك فرنجيه بمساعدته لجلب الغزلان وأيضا بجلب الخنزير البري الى شمال لبنان الذي تكاثر الى درجة تسمح باصطياده للإبقاء على التوازن في الطبيعة كما أتى بالخروف والماعز البري. واتوجه اليكم قرائي لمراسلتي عبر بريدي الالكتروني لتسليط الضوء على أي مبادرة فردية تساهم بإرجاع الحيوان الى جبالنا وودياننا.

رؤيتي لهذه الغزلان وقضاء الوقت معها لا يُثمّن وبالرد على الكثيرين الذين شاهدوا بثي المباشر حين لمسني غزال بفمه بغية أخذ الطعام، فهذه المخلوقات ليست بشرسة اطلاقاً ولم أخف من الاقتراب منها وهي لطيفة وتتخطى دفء الانسان وسبحان الله كيف كل واحد منها له شخصيته الخاصة به. فقد قابلت غزالا صغيرا لجوجا الى درجة لا تصدق وقد جعلني أضحك من قلبي لإصراره على الأكل المتواصل لدرجة نتشه مني من الخلف. وها هو في اول صورة يركض لاستقبالي

حتى لو لم يكن بالإمكان زيارة الغزلان حاليا، فالمشوار الى البقاع الغربي لا يعوّض نظرا لجمال سهله الذي يعكس سمفونية الوان وعمّيقه الغنيّة بالمياه والحيوانات كما سبق وغطيت في مقالي سهل-البقاع-ومستنقعات-عميق-من-الأجمل-والأهم-بيئيا والتي تتغير مع تغير الفصول، ولنتأمل لقاءهم قريبا كيفما توجهنا في أراضينا.

وفي بلد كثر فيه تقليد الآخر لدرجة نسخ استراتيجية كاملة من قبل البعض وإطلاق “صرخات” لم تطلق بزمانها منهم فتغير مسار عمل سنين مديدة لهم, وخاصة في عالم البلوغينغ ومواقع التواصل الاجتماعي، امل ان تصل عدوى التقليد إلى القادرين في بلدنا لنسخ استراتيجية هذا الإنسان الفضيل وتوسيعها لتشمل شتى أنواع الحيوانات البرية النادرة عندنا وهكذا نكون قد ساهمنا قدر المستطاع في إعادة توازن الطبيعة وتعويض ما دمرته اطماعنا المادية.

وانهي هذا المقال بمرور سريع على أهم نقاط قانون الصيد كمعلومات عامة للغير مطّلعين عليه أو معنيين به:

– يراعي مبدأ استدامة التراث الطبيعي.

– يحدد الطرائد المصنفة كطرائد صيد وأوقات الصيد والأماكن المسموحة.

– يحدد الطيور والحيوانات المضرة بالزراعة أو بالتوازن البيئي للسماح بصيدها.

– يحدد ادوات الصيد المسموحة كالاسلحة النارية المرخصة للصيد وقوس النشاب وبواسطة الكلاب والصقور والبزاة والعقبان, ويمنع بواسطة اي وسيلة اُخرى كالدبق والسباك والسراك والسموم والغاز, …

– يمنع انتزاع الأعشاش أو نقلها او أي تدخل.

– يطالب بحمل الرخصة في أيّ وقت.

– يفرض عقوبات بالحبس والغرامة, …

وأدعوكم لمتابعة جولاتي على مواقعي أدناه ومقالاتي على مدونتي https://travellinglebanon.blog/

 Instagram @ nidal.majdalani

facebook @ Travelling Lebanon @ Nidal Majdalani

ومشاركاتي عبر Twitter @ Nidal Majdalani

وهنا بعض اللقطات الجميلة من المحمية والتي تعكس غناها وقد تكرّم بها السيد فؤاد لمقالي وله جزيل الشكر لاستقبالي وللمهمة التي يبذل جهدا لتحقيقها عساه يكون قدوة يقتدى بها :

المقال نُشر أيضا على موقا النهار

https://www.annahar.com/article/1026388-قصة-الغزال-في-لبنان-وبدء-موسم-الصيد‎

 

#نضال_مجدلاني

#nidalmajdalani #travellinglebanon #travellinglebanonblog

All rights reserved for Nidal Majdalani, copyright Travelling Lebanon Blog 11/9/2019

Leave a comment

Create a website or blog at WordPress.com