بين جبال بسكنتا ووديانها رحلة مشي عبر الفصول في نهار واحد

“ناسك #الشخروب“؟! هل وقفت يوماً عند هذا اللقب؟

هل حاولت فهمَ سبب النُّسك هذا وما أفاض من قريحة معه؟

واضح أنه نسكٌ فريدٌ من نوعه، بين جبال الشخروب ووديانها، حيث يطفو الضباب تاركا وراءه خيالات خيالية، وحيث تتدفق الأنهار لتبهر النظر وتطرب السمع، فتسافر بالروح إلى عمق أعماقها حيث تسود السكينة سكناها ويلفّ السلام أطيافها، لتمجِّد الخالق وروائع خلقه، وتجدّد العهد بصون الأرض وحماية ما تبقى من طبيعتها، هنا، وفي كل زاوية من لبناننا المبارك.

وهذا الوصف هو أقل ما يمكن أن أنقله بعد ما اختبرته في رحلة مشي عبر أراضي بسكنتا والشخروب، منذ أسبوعين، حين لمست ما وراء نسك ولقب شاعرنا وكاتبنا الكبير، ميخائيل نعيمه. وسوف أحملكم معي، من خلال لقطاتي، إلى ذلك العالَم الشاعري المتناغم والمتناقض معاً!

نعم، المتناقض!

فإذا عدنا إلى كلمات المفكّر الكبير، ابن هذه المنطقة، ندرك أنّ في أيامه “كانت الفصول منتظمة، تتعاقب بأقصى الدقة ومنتهى النظام والاعتدال. فلا الشتاء يجور على الربيع، ولا الربيع يطمع في الصيف، ولا الصيف يأخذ من حصة الخريف، ولا الخريف يعتدي على ما قُسّم للشتاء”.

أما أيامنا فتشهد عكس ذلك، إذ إن الفصول بالكاد تتّبع الرزنامة، وتتشابك بعضها ببعض، فتجمع بين التناقضات في لوحة ولا أجمل وكأن الربيع يشقّ طريقه وسط الضباب، ويفرض قدومه رغم الثلوج، وكل هذا سببه التغيّر المناخي الذي ليس له حلّ بعيداً عن التشجير.

والتناقض لم يقتصر فقط على هكذا لوحات، بل امتدّ ليشمل المسير بأكمله وكأنه رحلةُ مشيٍّ عبر الفصول أجمعَ، وعلى مسافة لا تتعدى الستة عشر كيلومتراً، بدءاً من أعلى المنطقة حيث زيّنتها بقع الثلج وطيف الضباب، نزولاً إلى وديانها، مروراً بالأنهار والوحول، ومن ثم صعوداً إلى “الربيع”! نعم… فكأننا انتقلنا إلى مناخ معاكس في منطقة أخرى ذات طبيعة ربيعية بامتياز.

وهكذا بدأ المسير وسط الضباب وزخّات المطر

وكيفما مشينا نزولاً ترافقنا الأنهار والينابيع، وأحياناً تقطع طريقنا فارضةً حقّها بالملكية، لتذكّرنا أن لا نتعدّى على طبيعتها، ولا نترك وراءنا ما يؤذيها. كما أن المنظر كان يتبدل من الأبيض إلى البني ثم الأخضر

وكلما اقتربنا من أسفل الوادي يعلو هدير النهر ويزيدنا شوقاً للُقياه بعد أن عاينّاه من الأعلى.

ويمكنكم مشاهدة مقتطفات من رحلة المشي هذه في حسابي الإنستغرام عبر هذا الرابط

والآن مفاجأة التناقض الذي ذكرته، وكأننا انتقلنا إلى مكان وزمان مختلفين مع الصعود من الوادي للوصول إلى البلدة، والذي تخلّله عدة وقفات تابعة لـ”درب بسكنتا الأدبي”… وسأترك للقطاتي حق الوصف:

ها نحن نصل إلى البلدة المزينة بألوان الربيع بعد المرور في كل أحوال الفصول ضمن ساعات قليلة نسبياً من المشي (hiking)، ولن تحلو الاستراحة من دون القهوة الطيبة.

يمكنكم الوصول إلى بسكنتا عبر كفردبيان أو بكفيا-بتغرين، وتقع في قضاء المتن، محافظة جبل لبنان، على مسافة 43 كلم تقريباً من بيروت. تمتد أراضيها على مساحة 48 كيلومتراً مربعاً تقريباً، وتضم عدة مناطق متفاوتة الارتفاع عن سطح البحر، من حوالي 2600م عند قمّة صنّين الى 1000م في أسفل وادي الجماجم. أما وسط البلدة فارتفاعها نحو 1400م، وقناة باكيش 1660م. وكنت قد زرت ومشيت مناطقها كافة في 2019 ونقلت الـ snowshoe adventure من قناة باكيش وأرزها، كما قصدناها برحلة تحت الثلج. ويمكنكم الرجوع لها عبر هذين الرابطين  قناة باكيش snowshoe ، بسكنتا وسط العاصفة 

ونعود إلى خواص هذه المنطقة الساحرة، فهي غنية بالأشجار المثمرة والبرية، وبالأنهار كنبع العسل وصنين وباكيش، وبالآثار التي تعكس تاريخها العريق منذ أيام الفينيقيين إلى اليونان والرومان والمردة وغيرهم من الحكام مع العهد العثماني، واسمها يعني “بيت العدل” بالسريانية.

وممّا كتبه ابنها المفكر ميخائيل نعيمة، وما أحوجنا نحن إليه الآن: “عندما تصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا قوماً متحضرين”. وكان قد أحدث ثورة فكرية وثقافية كونه شاعراً وكاتباً وناقداً مسرحياً، وأسّس مدرسة المهاجر التابعة للرابطة القلمية، وتوفي سنة 1988 في بسكنتا عن عمر يقارب المئة عام. وقد نُقش وجهه في الحجر كتكريم له، ويُعتبر هذا المكان من الوجهات السياحية ويدخل ضمن “درب بسكنتا الأدبي”. والجدير بالذكر أن الكثير من أبناء هذه المنطقة كانوا أدباء وشعراء ونحاتين وفنانين، وتقوم الحركة الثقافية في بسكنتا والجوار بعمل دؤوب لإظهار وجه بسكنتا الثقافي والأدبي والبيئي على مدى ثلاثين سنة وحتى اليوم.

كما أن في البلدة كنائس جميلة ومركزاً ثقافياً، ولا يمكننا إلا أن نذكر صليب باكيش، أكبر صليب يضاء في العالم.

مهما تكلّمت، ومهما عرضت من صور، لن أقدر أن أفي هذه المنطقة حقها الجمالي الطبيعي والتراثي على مدى الفصول، أسوة بمناطقنا الأخرى التي أدعوكم إلى مشاهدة زياراتي لها عبر نقلي المباشر والرجوع إلى الـ stories، علّها تشجّعكم على أن تقصدوها لتمضية أجمل الأوقات، ودعم سكانها من خلال شراء منتوجاتهم، والاستمتاع بمائدتهم الغنية. وحساباتي كالآتي

Instagram @ nidal.majdalani

وعلى facebook @ Travelling Lebanon @ Nidal Majdalani

وعلى Twitter @ Nidal Majdalani ،

كذلك يمكنكم تصفّح مدوّني Travelling Lebanon Blog @

#مش_كل_ما_كزدرنا_وسّخنا_ورانا

##nature4climate ##theforgottensolution

My article is published on Annahar website:

https://www.annahar.com/arabic/article/959781-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D8%B3%D9%83%D9%86%D8%AA%D8%A7-%D9%88%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%86%D9%87%D8%A7-%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%B4%D9%8A-%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%88%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF

2 responses to “بين جبال بسكنتا ووديانها رحلة مشي عبر الفصول في نهار واحد”

  1. I was very encouraged to find this site. I wanted to thank you for this special read. Thanks a lot for sharing with us! Thanks a lot!

    Like

    1. I thank you sincerely for your appreciation. Soon the content will be expanded as well. Best regards.

      Like

Leave a reply to Nidal Majdalani (Travelling Lebanon) Cancel reply

Create a website or blog at WordPress.com